هل نُدرك ما نُريد، أم نُريد ما لم نُدرك؟

شارك هذه المنشور

هل نُدرك ما نُريد، أم نُريد ما لم نُدرك؟

16 مايو، 2025

قبل البدء، تساؤل بلا جواب واضح:
هل نحن حقًا نختار مصائرنا، أم أننا فقط نحاول تقليل خسائرنا على طريقٍ مرسوم سلفًا؟ هل نغادر أماكننا طواعية بحثًا عن الأفضل، أم هروبًا من الأسوأ؟ ولماذا يبدو كل مكسب مشروطًا بفقدٍ لا يُعوض، وكأن الحياة لا تمنح دون أن تأخذ، ولا تُضيء دون أن تُطفئ في مكان آخر؟

نولد حيث لم نختر، نكبر على أحلام غير مُصاغة بالكامل، ثم ندخل إلى عالم يحثّنا على السعي، لكن دون أن يضمن لنا ما سنصل إليه. تخبرنا الحياة أن الخيارات مفتوحة، لكنها تخفي أن لكل طريق بابًا يُغلق خلفه، لا يُعاد فتحه بسهولة.

عوالم متباينة… ووجوه متعددة للإنسان

في بعض الأماكن، تُغريك الوفرة، لكنك تدفع ثمنها من استقرارك الداخلي. وفي أماكن أخرى، قد تنعم بالهدوء، لكنك تفتقد الحافز أو الدفء الإنساني. وهناك بقاع لا تنام، تقودك إلى سباق لا ينتهي، فتبهرك الإنجازات وتستنزفك الوتيرة.

لكل بيئة إغراءاتها التي تتسلل إليك أولًا، ثم تكشف أثمانها مع الوقت. لا شيء يُمنح بلا مقابل، ولا استقرار يأتي دون كُلفة. فقد تخسر الراحة في مقابل الطموح، أو تضحّي بالانتماء من أجل الأمان، أو تفقد هويتك بحثًا عن ذات أخرى.

هكذا تتعدد الوجوه التي نلبسها لنواكب البيئات المختلفة، فنصير يومًا عمليين أكثر مما نُحب، ويومًا آخر ساكنين أكثر مما نحتمل. وفي خضم هذا التلون، يظل السؤال قائمًا: أيّ هذه الوجوه هو نحن حقًا؟

عُمْرٌ من المفاضلات

كل خطوة نخطوها تحمل في باطنها خطوة مضادة لم نأخذها. كل باب فتحناه أغلق خلفه بابًا آخر. كم من مرة أقمنا في بلد ما، بينما قلبنا ظلّ يقيم في مكانٍ آخر؟ كم من المرات بنينا مستقبلًا على أرضٍ جديدة، بينما ندمُ الطفولة يتسلل كلما مررنا بجانب علم الوطن، أو سمعنا كلمة “كان يا ما كان” بلهجتنا الأصلية؟

نقضي أعمارنا نُفاضل بين الراتب المرتفع وبين العائلة، بين الاستقرار الخارجي والاضطراب الداخلي، بين ما نحتاجه الآن، وما سنحتاجه لاحقًا حين تخفت النار في القلب، ويعلو صدى الأسئلة.

أزمة الامتلاء وأُسطورة الكمال

ربما أكبر خدعة نعيشها أننا نبحث عن الامتلاء الكامل: حياة مثالية، شريك مثالي، وظيفة مثالية، ذات مكتفية بذاتها. لكن الحياة لا تُعطي دفعة واحدة. بل هي مائدة غير متكاملة، لا تجد فيها كل ما تُحب، بل بعضًا منه فقط.

لذا، ربما كان التوازن أكثر حكمة من الطموح الأقصى. أن تحظى بالقليل من كل شيء، خير من أن تحصل على الكثير في مكان وتُحرَم تمامًا في مكان آخر. فهل نحن حقًا نحتاج لكل تلك الأشياء التي نسعى إليها، أم نحتاج فقط إلى السلام مع أنفسنا؟

الرضا… هذه الكلمة التي نُسقطها دومًا في خانة “الضعف”، هي في حقيقتها أقوى ما نملك. الرضا ليس خنوعًا ولا تنازلًا، بل لحظة صافية من الإدراك العميق أن العالم لن يُرضينا كلّه، وأن السعادة ليست في الخارج بل في موقفنا من الخارج.

وربما في لحظة متأخرة، حين نُهدّئ سرعة الركض، وننظر حولنا، سندرك أن الأهم لم يكن أن نربح كل شيء، بل أن نخسر بأقل ألم.

الختام… أو ما يشبهه

وربما في لحظة بعيدة، حين ينخفض صخب الخارج، وتخفت نار الإنجاز، وتعلو في داخلنا نبرة الحنين والتساؤل
سنكتشف أن السؤال لم يكن: “هل أدركت ما أردت؟”*بل : “هل أردت ما أدركت؟ ***وهل ما خسرته كان يستحق أن يُحزنني إلى هذا الحد؟” حينها سندرك أن الأهم لم يكن أن نربح كل شيء، بل أن نخسر بأقل ألم.

وهكذا… تظل المفاضلة قائمة، واليقين بعيد، والرحلة مفتوحة على احتمالات لا تنتهي ……… 

المزيد من المقالات

جميع الحقوق محفوظة . صمم بواسطة موركيز