إيّاك والغرق في مستنقع الخذلان

شارك هذه المنشور

إيّاك والغرق في مستنقع الخذلان

 الاربعاء 26/12/2024
تغريد برهوش

في الحياة مستنقعات قاتلة لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تتربص بأرواحنا عند كل عثرة أو خيبة. وأشد هذه المستنقعات خطرًا هو مستنقع الخذلان، ذلك الذي لا يغرق الجسد فحسب، بل يغرق الروح والعقل في آنٍ واحد. إنه امتحان صامت، لكن نتائجه قد تكون عميقة وأبدية.

الخذلان يبدأ كجرح صغير، كخيط رفيع يشدّك إلى الأسفل، لكنه سرعان ما يتحوّل إلى وحل يلتفّ حولك، يُثقل خطاك ويُطفئ وهجك. وهنا تكمن أهمية الوعي، الوعي بما يحدث داخلنا قبل ما يحدث حولنا . إن إدراك اللحظة التي تبدأ فيها بالسقوط هو ما يمنحك فرصة النجاة. لأنّ السقوط الحقيقي لا يبدأ إلا عندما تغفل عن نفسك وتُسلّم زمامها للظروف أو للآخرين.

وفي عالم مليء بالظلم والقهر، نجد الخذلان في كل زاوية: خذلان الواقع بكل ما فيه من ازدواجية وظلم ، خذلان الأصدقاء والاحبة، خذلان في حلم تبدّد، أو حتى في أنفسنا حين نخذل تطلعاتنا.
لكن الخطر الأكبر لا يكمن في الخذلان ذاته، بل في استسلامنا له دون وعي. عندما يُثقل الخذلان أرواحنا ويُظلم قلوبنا، فإنه يجرّنا إلى مستنقع العجز، حيث نخسر إيماننا بأنفسنا ونسمح للظروف أن تحدد مصيرنا.

لكن، الوعي هو الضوء الوحيد الذي يمكن أن يهديك في عتمة الخذلان. هو السلاح الذي يحميك من الانجرار خلف عواطف مكسورة أو أحكام قاسية أو خيبات تتغذّى على ضعفك.
عندما تدرك أن الأحداث من حولك، مهما بلغت قسوتها، ليست إلا ظلالًا تعكس ضعف من ألقوها عليك، تُصبح قادرًا على أن ترى الحقيقة بوضوح: أنك أكبر من كل محاولة لإغراقك.

العظماء لم يصنعهم الانتصار وحده، بل جعلتهم لحظات الانكسار أكثر صلابة وأعمق فهمًا للحياة. لم يهربوا من الخذلان، بل واجهوه. لم يغرقوا في مستنقعه، بل جعلوه درسًا يعيد صياغة إرادتهم. لأنهم أدركوا أن الخذلان، مهما كان قاسيًا، ليس النهاية، بل بداية جديدة، وفرصة لبناء أنفسهم من جديد.

إيّاك والغوص في مستنقع الخذلان. اجعل من وعيك حصنًا يحميك، ومن إرادتك قارب نجاة يوصلك إلى برّ الأمل. قاوم السقوط في دوامة اليأس، وانهض كلما حاولت الحياة أن تُسقطك. فالخذلان ليس سوى وهم يتحوّل إلى حقيقة فقط إذا سمحت له بذلك، أما إذا وعيت بقيمتك وأدركت قوتك، فإنه لن يكون سوى صفحة عابرة في كتاب حياتك الطويل.

إيّاك أن تجعل من الخذلان مستقرًا، فهو كالوحل الذي يغرق فيه الفكر قبل الجسد، ويسجن الروح في قفص من قهر لا مرئي .
إياك والانجراف إلى دوامة اليأس.. ولا تغفل عن نفسك
الخذلان فرصة لإعادة بناء نفسك وشحذ عزيمتك وإرادتك .

ليس المهم ما يحدث لنا، بل الأهم كيف نستجيب لما يحدث لنا.

المزيد من المقالات

جميع الحقوق محفوظة . صمم بواسطة موركيز