خذلان الوصول وخذلان عدم الوصول: بين الوهم والحقيقة

شارك هذه المنشور

خذلان الوصول وخذلان عدم الوصول: بين الوهم والحقيقة

الخميس 6/3/2025
تغريد برهوش
نعيش في دائرة لا تنتهي من التوق إلى شيء ما، نطارد أحلامنا، نرسم الطرق، ونؤمن أن الوصول هو الغاية الكبرى، هو لحظة الخلاص. لكن، ماذا لو كان الخذلان ينتظرنا سواء وصلنا أم لم نصل؟
 
خذلان عدم الوصول: حين يخذلك الطريق
 
هذا هو الوجه الأكثر وضوحًا للخذلان، ذلك الإحباط الذي يتسلل إلى أرواحنا حين تتلاشى الأحلام قبل أن تولد، حين يُجهض الطريق خطانا، وحين نقف أمام أبواب مغلقة رغم كل ما بذلناه من جهد. نشعر بالخذلان لأننا اعتقدنا أن العالم يعمل وفق معادلة عادلة، أن السعي يكافئ صاحبه دائمًا. لكن الحقيقة أن الحياة لا تعترف بهذه القوانين، فهي تمنح وتأخذ بلا تفسير واضح.
 
خذلان عدم الوصول قد يكون مدمرًا، لكنه يحمل في طياته عزاءً خفيًا: لا يزال هناك احتمال أن يكون الحلم جميلًا كما تصورناه، لا يزال لدينا وهم بأن ما نريده يستحق العناء، وأنه كان سيجلب لنا السعادة لو أننا فقط وصلنا إليه. وهذا العزاء، رغم قسوته، يبقينا واقفين.
 
خذلان الوصول: حين تخذلك الحقيقة
 
لكن هناك خذلانًا أشد قسوة، خذلانًا أكثر خفاءً، لا يتحدث عنه الكثيرون لأنه يحطم الأوهام التي بنيناها حول الحياة. إنه الخذلان الذي يأتي بعد الوصول، حين نبلغ ما كنا نحلم به، ونظن أننا أخيرًا سنشعر بالامتلاء، لكننا نكتشف أننا لم نحقق شيئًا سوى سراب آخر.
 
هذا الخذلان موجع لأنه يُسقط القناع عن الحقيقة: ربما لم يكن ما سعينا إليه يستحق كل هذا العناء، وربما المشكلة لم تكن في عدم الوصول، بل في فكرة أن الوصول ذاته كان سيجلب لنا السعادة. هنا، ندرك أن النشوة لم تكن في الغاية، بل في الرحلة نفسها، في الحلم ذاته قبل أن يتحقق.
 
كثيرون يصلون لما يريدون، ثم يكتشفون أنهم فقدوا أنفسهم في الطريق. سعوا خلف أهدافهم بكل طاقتهم، لكنهم أهملوا أرواحهم، أهملوا قيمهم، وربما تنازلوا عن أجزاء من ذواتهم في سبيل تحقيق ما ظنوا أنه سيمنحهم الرضا. وعندما وقفوا على القمة، وجدوا أنها فارغة، وأنهم باتوا غرباء حتى عن أنفسهم.
 
بين الخذلانين: أيهما أقسى؟
 
خذلان عدم الوصول يتركنا معلقين بين الأمل والندم، أما خذلان الوصول فيسلبنا حتى وهم الأمل. الأول يكسرنا لأننا لم نصل، والثاني يدمرنا لأننا وصلنا ولم نجد ما نبحث عنه.
 
لكن، إذا وصلت ولم تجد ما كنت تبحث عنه، فربما عليك أن تسأل نفسك: “ماذا كنت أبحث عنه حقًا؟ “ربما لم يكن الهدف خاطئًا، لكن التوقعات حوله كانت غير واقعية. 
أعد تعريف النجاح بناءً على ما يجعلك أكثر سلامًا، وليس فقط بناءً على ما يبدو نجاحًا للآخرين.
 
دروس على الطريق
  • السعادة ليست في الوصول، بل في الرحلة
    لا تجعل تحقيق الأهداف هو مصدر سعادتك الوحيد، بل استمتع بالطريق نفسه، بالتجربة، بالنمو، بالتعلم.
  • التوقعات العالية هي أول أبواب الخذلان
    لا تبنِ توقعات مثالية عن أي شيء، فالحياة لا تمنحنا صورًا مثالية، بل تجارب حقيقية.
  • النجاح الحقيقي هو أن تجد معنى فيما تفعل
    النجاح الذي لا يحمل معنى لن يمنحك السعادة، بينما السعي لهدف حقيقي ولو لم تصل إليه قد يكون أكثر قيمة.
  • لا تربط قيمتك الشخصية بما تحققه أو لا تحققه
    أنت لست وظيفتك، ولست إنجازاتك، قيمتك فيما تقدمه للحياة وللآخرين.
  • إذا لم تجد السعادة فيما لديك الآن، فلن تجدها فيما تريد
    لأن المشكلة قد لا تكون في الظروف، بل في طريقة رؤيتك لها
الخذلان ليس النهاية
لا تجعل الخذلان نهاية الطريق، بل اجعله مرشدًا لإعادة التقييم، ودليلًا على أنك تحاول، وأنك تعيش، وهذا بحد ذاته انتصار.

المزيد من المقالات

جميع الحقوق محفوظة . صمم بواسطة موركيز