حينما يصبح التعليم عبئًا: هل ندمر أم نبني في طلابنا؟
بقلم: دانة غسان الشوارب
في ميدان التعليم، حيث يُفترض أن تكون القيم الإنسانية هي النبراس الذي يوجّه مسيرتنا، تبقى بعض التصرفات مثيرة للإرباك والتساؤل. اليوم، وقعت عيني على منشور أثناء تصفحي أحد مواقع التواصل الاجتماعي: معلمة تمزّق أوراقًا من دفاتر طلابها أمام الجميع، وتطلب منهم إعادة كتابتها، وما أدهشني افتخارها بهذا التصرف وعرضه على حسابها الشخصي بحجة النتيجة “المبهرة” لخطوط طلابها بعد فعلتها تلك. أليس هذا التصرف ضربًا من ضروب القسوة؟ هل هو حقًا تصحيح للتعليم أم تدمير للثقة؟ ما الرسالة التي نرسلها لأبنائنا حين يتلقّون هذه الأنماط من المعاملة؟
فالإنسانية تقول: الإنسان أولًا، ثم التعليم.
فقبل أن نكون معلمين أو معلمات، نحن بشر. وحين نختار مهنة التربية، لا نختارها فقط من باب نقل المعرفة، بل من باب بناء الإنسان. يُقال دائمًا: “الطفل يبني نفسه من خلال ما يسمع وما يرى”، ولكن هل فكرنا في الآثار النفسية التي تترتب على تلك الكلمات أو الأفعال التي تصدر منا؟ فتمزيق الورقة ليس مجرد تصرف عابر، بل هو صاعقة قد تهزّ مشاعر الطالب وتُطيح بثقته بنفسه.
فأيُّ تعليمٍ هذا الذي يرتكز على الإهانة؟
العملية التعليمية لا يجب أن تكون رهينة العنف اللفظي أو الفعلي؛ فالتعليم لا يعني تحطيم الشخصيات أو جرح كرامة الطالب، بل هو دعمهم ومساعدتهم على الوقوع والنهوض مجددًا. كيف نطالبهم بالتطور والنمو في ظل بيئة لا تزرع فيهم سوى الشعور بالفشل والخذلان؟ كيف نرغب في بناء أجيال قادرة على تحدي الحياة ونحن نسحق أمامهم بذرة الثقة؟
أخبروني… ما رأيكم بالتوجيه لا بالعقاب؟
ألم نتعلم في مدارسنا أن “التوجيه” هو السبيل الوحيد للنمو؟ وأن الفهم هو أساس التعلم؟ ماذا لو استبدلنا هذا التصرف المتسرع بلغةٍ حانية، وبكلماتٍ ترفع معنويات الطالب بدلًا من أن تدمّرها؟ ماذا لو احتضنّا أخطاءهم وعملنا على تصحيحها بهدوء وحكمة؟
“التعليم رحلة”، وكما أن الرحلة ليست خالية من العثرات، فلا ينبغي أن تخلو من التفهم والتوجيه. فالشخص الذي يشعر بالتقدير والاحترام سيبذل قصارى جهده لإثبات ذاته وتحقيق التميز. أما الشخص الذي يشعر بالإهانة والإحباط، فسوف ينطوي على نفسه ويختبئ من جديد وراء جدار من الخوف والشكوك.
لا تحطموا أملهم، بل كونوا نبراسًا يضيء طريقهم.
ليس الهدف أن نجعلهم يخشون الخطأ، بل أن نشجعهم على التعلم منه. ليس الهدف أن نشعرهم بأنهم بلا قيمة عند ارتكابهم خطأ ما، بل أن نعلّمهم أن الخطأ فرصة للنمو، لا نهاية للطريق.
إذا كانت رسالتنا كمعلمين هي بناء جيل واعٍ قادر على التحدي، فلا مجال للإهانة أو القسوة. يجب أن نكون مثالًا يُحتذى به في الصبر والرحمة، في البناء والتوجيه، في الفهم والاحترام.
وفي النهاية، التعليم أمانة، وليس مجرد مهمة. فلا تتركوا آثارًا من القسوة على الطريق الذي نسير فيه مع طلابنا.
