الهوية في مفترق الطرق: بين سيكولوجيا العمر وفلسفة الذات

شارك هذه المنشور

الهوية في مفترق الطرق: بين سيكولوجيا العمر وفلسفة الذات

الخميس  5/3/2025

تغريد برهوش

في بداية حياتنا، نعيش تحت وطأة الصورة التي رسمها لنا الآخرون، سواء كانوا أسرتنا، مجتمعنا، أو حتى أصدقاؤنا. نحن نمثل أدواراً فرضت علينا، أو ربما اخترناها عفويًا، دون أن نتوقف للحظة لنسأل أنفسنا عن عمق تلك الأدوار أو عن حقيقة الهوية التي نعيشها.
نكبر، نتعلم، ننجح في بعض الأحيان، ونفشل في أخرى، ولكننا نواصل السير على الطريق الذي يبدو وكأنه كان معدًا لنا سلفًا. في هذه المسيرة، ننسى أن نلتفت إلى أنفسنا ونكتشف ما إذا كنا حقًا نعيش كما نريد، أم أننا مجرد محاكاة لأدوار قُدّر لنا أن نلعبها.

ومع تقدم العمر، وعندما نصل إلى أواسط الأربعينات ،
نجد أنفسنا على مفترق طرق، نعيد صياغة أنفسنا بناءً على التجارب التي مررنا بها، والتحديات التي تجاوزناها، والاختيارات التي اتخذناها. قد نكتشف أننا بحاجة إلى التحرر من الأدوار التي فرضها علينا الآخرون لنعيش أدوارنا الحقيقية وغاياتنا
وتتسلل إلى النفس أسئلة عميقة، أسئلة يهرب منها كثيرون
من أنا؟
وما هو دوري؟
سؤالان قد يتردد صداهما في أعماقنا في مرحلة لم نكن نتوقعها . وقد يختبر البعض منا شعورًا بالخذلان، أو حتى الندم على ما مضى من سنوات، وكأننا قد ضيعنا شيئًا ما في السعي وراء الأهداف التقليدية التي فرضها علينا المجتمع.

حينها ، نجد أنفسنا أمام مرآة الواقع، نسائل أنفسنا عن معنى السنوات التي مرت: هل كانت تلك هي حياتنا الحقيقية؟ أم أننا قد ضللنا الطريق في مسعى لإرضاء الآخرين؟
هذه اللحظة التي نكتشف فيها أن الأدوار التي عرفنا بها أنفسنا قد بدأت تتبدد. وفي هذه الفترة، تتآكل الصورة التي رسمناها عن أنفسنا، وأصبحت الأدوار التي كنا نراها مصدرًا للثبات، مشبعة بالقلق والتساؤلات. وقد يشعر البعض منا بالضياع، كما لو أن الزمن قد سلبنا جزءًا من هويتنا، فنعيد تقييم المسار الذي قطعناه، ونفكر في الأشياء التي لم نحققها بعد. أهو شعور بالندم؟ أم هو مجرد مرحلة من مراحل التغيير الجذري ؟

وقد ندرك أن الأدوار التي كنا نلعبها قد لا تمثلنا بشكل كامل. وإنها مجرد واجهات، ومقاطع من قصة أكبر بكثير، حيث نكتشف أن لدينا القدرة على تحديد معالم هذه القصة بأنفسنا. ولعلها الفرصة الوحيدة لنا لنكتب الفصل التالي بأيدينا.

في خضم هذه اللحظات التي تعتريها الأسئلة، تبرز فلسفة الحياة، وندرك أن الهوية ليست شيئًا ثابتًا. إنها ليست مجرد انعكاس للأدوار الاجتماعية التي نلعبها أو للنجاحات التي نحققها، بل هي رحلة مستمرة من التكيف والتطور.

في أواسط الأربعينات، نحن لا نعود إلى ما كنا عليه، بل نكتشف نسختنا الأعمق، تلك النسخة التي كانت كامنة داخلنا، ربما لم نجرؤ على مواجهتها من قبل.
وتلك التساؤلات ليست مجرد تساؤلات فكرية، بل مايحدث هو أيضًا جزء من تطورنا السيكولوجي .حيث تبدأ العقلية في إعادة تقييم الإنجازات، ويغمرنا شعورٌ حاد بأننا بحاجة لشيء أكثر من مجرد الأدوار التقليدية التي لعبناها.
في هذه المرحلة ، نحتاج إلى البحث عن شيء جديد، لا يتعلق فقط بالوظيفة أو العائلة، بل يتعلق بتحديد معنى أعمق للحياة ولغاياتنا فيها . إن هذا البحث عن الذات هو محاولة للعثور على التوازن بين الماضي والمستقبل، بين الشعور بالإنجاز والشعور بالركود.
كما أن التغيرات الجسدية تلعب أيضًا دورًا كبيرًا في ذلك .

لكن الحقيقة في النهاية واحدة: إننا في هذه المرحلة نبدأ في اكتشاف أنفسنا من جديد.
لقد تجاوزنا مرحلة الانشغال بالآخرين أو بموافقتهم على هويتنا، لنبحث عن الحقيقة التي تكمن في دواخلنا.
من نحن حقًا؟
هل نحن الأدوار التي لعبناها طوال حياتنا، أم أننا شيء أعمق من ذلك؟*
وهل في قدرتنا إعادة تعريف أنفسنا ؟
وهل مايحدث هو إشارة إلى نوع من الحرية، أم هو مجرد تأكيد على أننا نعيش في حركة مستمرة من التغيُّر، ومن البناء والهدم؟
من المؤكد؛ نحن في تغيُّر مستمر، وهناك العديد من التحولات التي تؤثر فينا، ونعكسها في اختياراتنا وتوجهاتنا.
وتلك الأسئلة تدفعنا نحو مسار جديد. ذلك المسار الشخصي الذي نرسمه بأيدينا، ونحن الوحيدون الذين نملك حق تحديده.

الهوية ليست فقط “من أنا؟” بل هي؛ ماذا أريد أن أكون؟ وكيف أستطيع أن أعيش بما يتناغم مع نفسي الحقيقية؟

من أنا؟
هو البوابة نحو اكتشاف حريتنا الحقيقية في الحياة، وحين نجرؤ على طرحه بصدق، نكتشف أننا نملك مفاتيح تغيير المسار

المزيد من المقالات

جميع الحقوق محفوظة . صمم بواسطة موركيز